فصل: مسألة الصبي يكون له شاهد واحد على حقه من مورثه فيستحلف الذي عليه الحق ليبرأ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الصبي يكون له شاهد واحد على حقه من مورثه فيستحلف الذي عليه الحق ليبرأ:

ومن كتاب البيوع:
وسئل: عن الصبي يكون له شاهد واحد على حقه من مورثه فيستحلف الذي عليه الحق ليبرأ؛ لأن الصبي لا يحلف، فيحلف فيكبر الصبي فيقال له: احلف مع شاهدك واستحق، فيرد اليمين على الغريم ويقول له: احلف وتبرأ.
قال: ليس عليه أن يحلف ثانية قد حلف مرة، فاليمين ساقطة عنه.
قال أصبغ: لأنه قد برئ يوم حلف، وهو بريء أبدا حتى يحلف الصبي فيكون حلفه كالشهادة الحادثة القاطعة.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ: لأنه قد برئ يوم حلف وهو بريء أبدا حتى يحلف الصبي... إلى آخر قوله- يقتضي أنه لا يجب توقيف الدين، وقد قيل: إنه إذا حلف الذي عليه الحق أخذ الدين منه ووقف حتى يكبر الصبي فيحلف ويأخذه، ومعنى ذلك إذا لم يكن مليا.
وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من كتاب الشهادات، فلا معنى لإعادته، وسيأتي من معنى هذه المسألة وما يتعلق بها في هذا الرسم، وفي رسم الوصايا والأقضية من هذا السماع ما فيه بيان لها.
وقد مضى القول عليها في سماع أصبغ من كتاب الشهادات أيضا، وبالله التوفيق.

.مسألة إقرارالمريض بالدين لمن لا يتهم عليه:

وسألته: عن المريض يكون عليه الدين للناس، فيقضي بعض غرمائه في مرضه، ثم يموت في ذلك المرض ولم يترك مالا، هل يرجع الآخرون على هؤلاء بشيء يحاصونهم؟
فقال: إن كان مرضا مخوفا فليس له أن يقضي بعضهم دون بعض، وإن كان مرضا ليس بمخوف حتى يحجب عن القضاء في ماله، فقضاؤه جائز.
قال الإمام القاضي: تفرقته في هذه الرواية بين أن يكون مرضه مرضا مخوفا أو غير مخوف- مفسر لقول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب المديان من المدونة، في أن المريض إذا كان الدين يغترق ماله لا يجوز له أن يقضي بعض غرمائه دون بعض، خلاف قول غيره فيها: المريض لم تحجر عليه التجارة، وهو كالصحيح في تجارته وإقراره بالدين لمن لا يتهم عليه؛ لأن الظاهر منه أن قضاءه بعض غرمائه جائز، وهو قول سحنون، وأحد قولي مالك، وقع اختلاف قوله في ذلك في كتاب الإقرار من النوادر. فالاختلاف في جواز قضائه بعض غرمائه دون بعض- إنما هو إذا كان مرضه مرضا مخوفا يحجب فيه عن القضاء في ماله.
وأما إذا كان مرضه مرضا غير مخوف، لا يحجب فيه عن القضاء في ماله، فلا اختلاف في أن حاله في مرضه ذلك حال الصحيح، وقد اختلف قول مالك في المدونة في رهنه وقضائه.
فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن رهنه وقضاءه جائز وإن كان مريضا؛ والثاني: أن رهنه وقضاءه لا يجوز وإن كان صحيحا؛ والثالث: الفرق في ذلك بين أن يكون مريضا أو صحيحا، وكذلك إقراره بالدين لمن يتهم عليه.
وأما إقراره بالدين لمن لا يتهم عليه، فلا اختلاف في جوازه، وإن كان مريضا، وإنما لا يجوز قضاؤه بعض غرمائه دون بعض، على القول بأن قضاءه لا يجوز، إذا كان ما بيده من المال لا يفي بما عليه، وأما إن كان ما بيده من المال يفي بما عليه من الديون، وإن كانت مستغرقة له، فقضاؤه جائز.
قال ذلك إسماعيل القاضي، وهو صحيح ينبغي أن يحمل على التفسير لما في المدونة ولهذه الرواية؛ لأنه إذا قضى بعض غرمائه وفيما بقي من ماله ما يفي بحقوق من بقي منهم، فلم يحاب من قضاه على ما لم يقضه، فمعنى قوله في المدونة إذا كان الدين يغترق ماله، أي إذا لم يكن له به وفاء. ومعنى قوله في هذه الرواية: يكون عليه الدين للناس، أي: دين لا يفي به ما بيده من المال. وبالله التوفيق.

.مسألة الأيمان هل تحمل على بساطها:

وسألته عن الرجل يكون له الحق على الرجل حالا فيسأله أن يؤخره وينظره به إلى الصدر، فيأبى ويقول: اكتب حقي عليك حالا وأنا أنظرك حتى يتهايا، ففعل، ثم بدا له أن يأخذه به قبل أن يتهايا له، فقال: إن شهد له على أنه قد أنظره إلى أن يتهايا له رأيت ذلك له.
وإن كان كتبه له حالا وإنما هو رجل أشهد له بحقه أنه حال وأنظره إلى أن يتهايا له، رأيت ذلك له، إلا أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد يتهايا بعد الصدر وما أراد إلا فيما بينه وبين ذلك إن تهايا إلى ذلك، فإن حلف رأيت ذلك له.
قال أصبغ: لا أرى له فيما بينه وبين الصدر شيئا إذا لم يتهايا له بغير مرزية من بيع عقار يلجئه إليه، أو ربع قد كان له، إنما استنظره مخافة ذلك، وذلك في الذي كتبه حالا، فإذا حل الصدر أخذه به ولم يحلف، وأما الوجه الآخر إذا أنظره فيهما إلى أن يتهايا له فهو على الصدر وبعد الصدر متى ما تهايا له، إذا لم يكن في بساط التأخير طلب للذي عليه الحق للصدر، فإذا كان كذلك لم يجاوز الصدر، ولم يتعجل دونه إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة بين والاختلاف الواقع فيها بين ابن القاسم وأصبغ، جار على أصل مختلف فيه في المذهب، وهو الأيمان هل تحمل على بساطها أو على ما تقتضيه ألفاظها دون الاعتبار بما خرجت عليه من بساطها؟
فجعل ابن القاسم ذكر الصدر الذي خرج التأخير عليه دليلا على صدق قوله فيما ادعى أنه لم يرد أن يؤخره إلى ما بعده، واستحلفه على ذلك. واستحلافه على ذلك جار على الاختلاف في لحوق يمين التهمة.
وجعل أصبغ ذكر الصدر الذي خرج التأخير عليه كالتصريح بأنه إنما أخذه فيما بينه وبين الصدر، ويتخرج في المسألة قول ثالث، وهو أن يلزمه التأخير إلى أن يتهايا له، كان ذلك قبل الصدر أو بعده. وهذا على القول بترك الاعتبار بالبساط ومراعاة ما تقتضيه الألفاظ. وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وترك دينا له عليه شاهد واحد وترك ولدا كبيرا سفيها مولى عليه:

وسألته: عن رجل هلك وترك دينا على رجل له عليه شاهد واحد، وترك ولدا كبيرا سفيها مولى عليه.
قال: يحلف ويستحق حقه، فإن نكل حلف المطلوب، فإن حلف برئ وبطل عنه ما ادعى عليه، وإن حسنت حالة السفيه يوما ما لم يكن له أن يحلف ويأخذ، ولو كان يكون ذلك له ما كان له أن يحلف وهو سفيه ويستحق حقه، ولو كان ينتظر به حتى يحسن حاله، بمنزلة الصغير ينتظر به الكبر، وكذلك النصراني يكون له شاهد واحد فيحلف معه، فإن حلف استحق، وإن نكل حلف المطلوب، وليس يقال: وإن أسلم يوما ما حلف، والنصراني حالته شر من السفيه في حالته، ولعله أن يكون نصرانيا سفيها فيؤمر إن أسلم يوما ما أن يحلف بعد أن يترك، ليس هذا بشيء.
قال الإمام القاضي: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في هذا السماع من كتاب الشهادات، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى سلعتين مختلفتين ففلس المشتري فوجد البائع إحدى السلعتين:

وسمعته، يقول عن مالك: إنه بلغه عنه أنه قال في رجل اشترى سلعتين مختلفتين ففلس المشتري، فوجد البائع إحدى السلعتين في يديه وفاتت الأخرى، فافتك الغرماء السلعة الباقية بثمنها، ودفعوه إليه، أنه يرجع يحاصهم بثمن السلعة الفائتة في ثمن السلعة التي افتكوها.
قال أصبغ: وذلك أنها مال من مال المفلس ضمانها منه، ونماؤها له، يعني الغريم، يحط به عنه من دينه، وإنما الثمن الذي افتكوها به سلف منهم له جائز لهم، ماض ذلك عليه في صريح الحكم في قول العلماء والناس.
قال القاضي: قوله: فافتك الغرماء السلعة الباقية بثمنها، معناه: بما أصابها من الثمن الذي باعها به مع الأخرى.
وقوله: إنه يرجع فيحاصهم بثمن السلعة الفائتة في ثمن السلعة التي افتكوها، يريد: ويضربون معه فيها وفي جميع مال المفلس بما لهم عليه من الديون، وبالثمن الذي افتكوها به، وإن كانوا افتكوها من أموالهم، كما كان يضرب هو به لو أسلمها ولم يؤدوا إليه ثمنها؛ لأن ذلك كالسلف منهم له، على ما قاله أصبغ، وإن كانوا افتكوها من مال المفلس، ضربوا معه فيها وفي سائر مال المفلس بما كان لهم عليه من الديون.
وقول أصبغ: وذلك أنها مال من مال المفلس ضمانها منه ونماؤها له، يعني الغريم، تعليل صحيح، وذلك مذهبه.
وقوله في المدونة وفي سماع ابن القاسم من هذا الكتاب في بعض الروايات، خلاف ما مضى في أول سماع يحيى من أن الضمان والنقصان من الغرماء، والفضل للمفلس، فعلى هذا لا يضرب الغرماء معه فيها بما افتكوها به من أموالهم إلا إذا سلمت وبيعت بربح. وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول سماع يحيى، وبالله التوفيق.

.مسألة عليه دين يحيط بماله أو بعضه فتحمل بحمالة وهو يعلم أنه سيغرم:

قال أصبغ: سمعته يقول في رجل عليه دين يحيط بماله أو بعضه، فتحمل بحمالة وهو يعلم أنه سيغرم: إنه لا يسعه ذلك فيما بينه وبين الله.
قال: والحمالة أيضا عند مالك مفسوخة لا تجوز، ورآها من ناحية الصدقة، ولم يرها من ناحية البيع.
قال أصبغ: وذلك أن الحمالة معروف. ألا ترى أن حمالة المرأة لا تجوز إذا كانت ذات زوج إذا جاوزت الثلث الذي يجوز قضاؤها فيه؛ لأنها أنزلت كالصدقة. ألا ترى أن حمالة العبد الْْمُسْتَتْجَرِ أيضا لا تجوز؛ لأنها ليست من التجارة، إنما هي معروف وليس المعروف من التجارة التي سلط عليها.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي عليه دين يحيط بماله أو ببعضه، إنه لا يسعه فيما بينه وبين خالقه أن يتحمل بحمالة وهو يعلم أنه يغرم، وإن الحمالة تفسخ وترد ولا تجوز؛ لأنها من المعروف، صحيح بين لا إشكال فيه.
وقوله في الذي لا يحيط الدين إلا ببعض ماله: إن حمالته لا تجوز، معناه: إذا كانت حمالته التي تحمل بها لا يحملها ما فضل من ماله عن الدين الذي عليه، وأما إن كانت الحمالة التي تحمل بها يحملها ما يفضل من ماله بعد ما عليه من الدين، فهي جائزة في الحكم سائغة لمن فعلها، وإذا كان الرجل قائم الوجه يبيع ويشتري ويتصرف في ماله، فحمالته وهبته وصدقته جائزة نافدة، وإن علم أن عليه ديونا كثيرة، ما لم يعلم أنها مستغرقة لماله، فهي على الجواز حتى يثبت أنه لا وفاء له بما فعل من المعروف.
وقد مضى هذا المعنى في سماع عيسى من كتاب الرضاع، والمسألة بعينها متكررة في سماع أبي زيد من كتاب الكفالة والحوالة، وبالله التوفيق.

.مسألة فلسه قوم ثم داينه رجل منهم:

قال: وسمعته يسأل عن رجل فلسه قوم ثم داينه رجل منهم، ثم فلس ثانية، فلم يكن في ماله وفاء بدينه الذي أسحره الآخر به، ثم داينه بعد ذلك بشيء آخر، فربح فيه ربحا كثيرا ثم فلس ثالثة، أيكون هذا الذي داينه أولى بجميع ما بيده حتى يستوفي دينه الأول والأوسط والآخر؟
قال: لا. ولكن له ماله الذي داينه به آخر مرة، وما فضل فهو والغرماء الأولون فيه أسوة بجميع دينه ما بقي من أول وأوسط، وإنما ذلك بمنزلة ما لو داينه غيره، فكل من فلس ثم داينه آخرون، ثم فلس ثانية، فالذين داينوه بعد تفليسه أولى حتى يستوفوا رءوس أموالهم، ويكون الربح والفضل لجميع غرمائه. قال أصبغ مثله، وهي جيدة صواب كلها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة، فلا وجه للقول فيها، وبالله التوفيق.

.مسألة عليه دين قام عليه الغرماء ولا مال له فجاء من يسلفه أو يعينه إلى أجل:

قال أصبغ: وسمعته وسئل: عن رجل عليه دين قام عليه الغرماء، ولا مال له، فجاء من يسلفه أو يعينه إلى أجل، أعليه أن يأخذ ذلك فيقضيه الغرماء؟
قال: ليس ذلك عليه، وفي التعيين أبين، والسلف أيضا ليس ذلك عليه، وقاله أصبغ.
قال الإمام القاضي: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه أنه لا يلزم المديان أن يستسلف، ولا أن يستوهب، ولا أن يستعين ليؤدي ما عليه من الدين ولا أن يقبل شيئا من ذلك إن طاع له بذلك أحد، لأن الغرماء لم يعاملوه على ذلك ولا دخلوا معه عليه، ولا يلزمه قبول معروف أحد، ولا تحمل مِنَّتِهِ وإن طاع الرجل أن يسلف الطالب فيقضيه ماله على الغريم المطلوب ويرجع به عليه، لزمه ذلك ولم يكن له أن يمتنع منه؛ لأن المعروف إنما هو للطالب ليس للغريم المطلوب، فلا قول له في ذلك ولا وجه لامتناعه منه، هذا قول مالك وجميع أصحابه، خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من أن من أدى عن رجل مالا بغير أمره فليس له أن يرجع به عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة قام عليه غرماؤه ففلسوه فيما بينهم وأخذوا ماله ثم داينه آخرون:

قال: وسمعته يقول عن مالك في رجل قام عليه غرماؤه ففلسوه فيما بينهم وأخذوا ماله، ثم داينه آخرون أن الآخرين أولى بما في يديه بمنزلة تفليس السلطان.
قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: ولو قاموا عليه فلم يجدوا في يديه شيئا فتركوه، لم أر هذا تفليسا ورأيت إن داينه آخرون بعد ذلك ثم فلس، أن يدخل الأولون مع الآخرين، إلا أن يكونوا بلغوا به السلطان وكان هو الذي فلسه، فذلك تفليس وإن لم يوجد له شيء، وذلك أن السلطان يكشفه ويبلغ من كشفه ما لا يبلغ هؤلاء، قال: ولو أعلم أنهم كانوا يبلغون منه مثل ذلك؛ لأنفسهم دون السلطان لرأيت ذلك تفليسا، ولكن لا أحب أن أقوله مخافة ألا يبلغوا ذلك، وقاله أصبغ.
قال: وتفليسهم إياه فيما بينهم أليق إذا فعلوا ذلك واجتمعوا فيه وبلغوه، وتبين ذلك تفليسا كالسلطان.
ومما يبين ذلك أن يجدوا له الشيء اليسير، أو السقط في الحانوت الذي يكشف فيه ويفلس، فيأخذون ما وجدوا ويقتسمونه على تفليسه، واليأس من ماله، فيطلقونه فهو عندي تفليس كالسلطان سواء، والسلطان هكذا كان يفعل ونحوه.
قال محمد بن رشد: هذا هو حد التفليس الذي يمنع من دخول من فلسه على من عامله بعد التفليس.
وأما حد التفليس الذي يمنع قبول إقراره، فهو أن يقوم عليه غرماؤه فيسجنوه أو يقوموا عليه فيتستر عنهم فلا يجدوه، قال محمد: ويحولوا بينه وبين التصرف في ماله بالبيع والشراء، والأخذ والعطاء، إلا ألا يكون لواحد منهم بينة، فيكون إقراره جائزا لمن أقر له، إذا كان في مجلس واحد أو قريب بعضه من بعض.
قال ابن حبيب: وإن كان المقر لهم ممن يتهم عليه أو إلا أن يكون من له بينة لا يستغرق ماله أو إلا أن يكون إقراره عند القيام عليه قبل أن يستسلم ويسكت، فيجوز، إذ لا يقدر على أكثر من ذلك.
وقد روي عن مالك أن إقرار المفلس يجوز لمن يعلم منه إليه تقاضيا ومداينة وخلطة مع يمينه، ويحاص من له بينة، ولذلك وجه.
واختلف إذا قضى بعض غرمائه بعد أن تشاوروا في تفليسه قبل أن يفلسوه فلم يجزه ابن القاسم، وأجازه أصبغ.
وفي قوله في هذه الرواية: وذلك أن السلطان يكشفه ويبلغ من كشفه ما لا يبلغ هؤلاء، ما يقوم منه أن للإمام أن يفتش عليه داره، وكذلك قال ابن شعبان: إنه تفتش عليه داره.
وكان الشيوخ المتأخرون يختلفون في ذلك، والأظهر أن يفتش عليه، فما ألفي فيها من متاع النساء فادعته زوجته كان لها، وما ألفي فيها من عروض تجارته بيع لغرمائه، ولم يصدق إن ادعى أنه ليس له.
وما ألفي فيها من العروض التي ليست من تجارته فادعى أنها وديعة عنده أو عارية أو ما أشبه ذلك، جرى ذلك على ما قد ذكرته من الاختلاف في ذلك في غير ما موضع، من ذلك ما في رسم البيع والصرف من هذا السماع، وبالله التوفيق.

.مسألة تكارى أرضا يزرعها واستأجر أجراء يقومون فيها بسقيها وعلاجها ثم فلس:

قال: وسمعته، وسئل: عمن تكارى أرضا يزرعها واستأجر أجراء يقومون فيها بسقيها وعلاجها، ثم فلس، قال: صاحب الأرض والأجراء في الزرع أولى من سائر الغرماء، وأنهم يتحاصون في ذلك رب الأرض والأجراء. وقاله أصبغ.
وقال: قلت لابن القاسم: فإن كان استأجر فيها أجراء لسقيها فعجزوا عنها ثم تركوها، فاستأجر غيرهم ثم فلس، ففضل عن رب الأرض والأجراء فضلة، أيكون أولئك الأولون العاجزون أحق بما فضل، أو يكونون كذا أسوة مع من بقي.
قال: بل يكونوا كذا أحق بما فضل عنهم حتى يستوفوا، وقاله أصبغ؛ لأنهم أحيوا أولا وأول حياته منهم وبهم، وإنما بدئ هؤلاء عليهم؛ لأن بهم تم بمنزلة الرهن أن لو رهنه قوما فأحيوا بما لهم، ثم عجزوا فرهنه غيرهم، إن الآخرين أحق، وما فضل فللأولين برهنهم وإحيائهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة الأجير يستأجره الرجل فيستتجره:

ومن كتاب الصدقة والأحباس:
وقال مالك في الأجير يستأجره الرجل فيستتجره: إنه لا بأس بذلك، قال: وما استدان في ذلك فإنما يلحق ذمته إذا لم يكن في يديه مال، قيل لابن القاسم: الضمان يقع عليه إذا استأجره وأطلعه في حانوت أجلسه فيه يعمل فيه، فما دخل عليه كان للذي استأجره، قال: نعم، قلت: وترى هذه الإجارة جائزة؟
قال: نعم، قلت له: ألا تراه كأنه استأجره بشرط على أن يضمن له ما تلف؟
قال: لا، وأين الشرط؟
قلت: إذا كان الضمان يقع عليه، فكأنه شرطه في الأصل، قال: لا، وهذه سنة المسلمين لا شك فيها، أرأيت الرجل يستأجر النواتية في سفينته بشيء مسمى يحملون فيها، ويكرونها له، إنه لا بأس به، والضمان عليهم فيما حملوا من الأطعمات، فهذه سنة المسلمين وأجرتهم وعملهم.
وكذلك لو تكارى قوما في ظهر له يكرونه ويحملون عليه ويرحلونه، فهم ضامنون لما حملوا من الأطعمة، وكذلك عبده الصانع يضعه للعمل ويستتجره، فما لحقه في ذلك، كان في ذمته.
قال الإمام القاضي: قوله في أول المسألة في الأجير يستأجره الرجل فيستتجره: إنه لا بأس بذلك- صحيح، ومعناه: إذا كان العمل الذي استأجره لعمله من نحو العمل فيما استتجره فيه، فيجوز ذلك إذا رضي الأجير ولا يكون به بأس. وهذا على معنى قوله في كتاب الرواحل من المدونة في أن من أكرى دابة إلى بلد فليس له أن يركبها إلى بلد غيره إلا برضا المكري.
وقد قيل: إن له أن يركبها إلى غير ذلك البلد إذا كان الطريق مثله في الحزونة والسهولة، شاء ذلك المكري أو أبى، وهو قول مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، وقيل: إنه لا يجوز أن يركبها إلى غير ذلك البلد وإن رضي المكري؛ لأنه فسخ دين في دين، وهو قول غير ابن القاسم في كتاب الرواحل والدواب من المدونة.
فهذه الثلاثة الأقوال تدخل في هذه المسألة، ولو استأجره على أن يستتجره لجاز ذلك باتفاق إذا لم يضرب عليه خراجا معلوما، ولم يجز باتفاق إذا ضرب عليه خراجا معلوما، ويجوز على اختلاف إذا استأجره على أن يجيئه بغلته وخراجه من غير أن يسمي عليه من ذلك شيئا معلوما.
وقوله: إذا استأجره فاستتجره إن ما استدان في ذلك يلحق ذمته إذا لم يكن في يديه مال، معناه: إنه يلحق ذمته منه ما لم يف به ما بيده من المال الذي استتجره فيه، إذ لا يصح أن يستتجره بغير مال.
وقوله بعد ذلك متصلا بقول مالك، قيل لابن القاسم: الضمان يقع عليه إذا استأجره وأطلعه في حانوت أجلسه فيه يعمل فيه إلى آخر قوله استئناف مسألة أخرى غير الأولى؛ لأن الأولى في اسْتِتْجَارِ الرجل من استأجره، وقد ذكرنا ما يتخرج في ذلك من الأقوال، والثانية: في الأجير الصانع يجلسه الذي استأجره في حانوت على أن يعمل للناس ويلي معاملتهم، وهذا جائز باتفاق إذا رضي بذلك الأجير الصانع، إذ لا يلزمه بغير اختياره، لما يتمونه في ذلك من الأخذ والإعطاء، ويلزمه في ذلك من الضمان.
ولو استأجره على ذلك ابتداء لتخرج ذلك على قولين، كالذي يستأجر الأجير على أن يجيئه بالغلة، وقد ذكرنا ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة إقراره بالدين في مرضه الذي مات منه لبعض أبناءه دون بعض:

ومن كتاب الوصايا:
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، قال في رجل له ولد، كلهم بار به في حال واحدة، فأوصى أن لبعضهم عليه دينا، قال: لا يجوز إقراره ذلك، وقال: إن كان بعضهم بارا حسن الحال، وآخر عاق خبيث فأوصى لهذا العاق الخبيث بدين له عليه، ذكره من قبل أمه أو بشيء فهو جائز، وإن كان أوصى بذلك للبار لم يجز.
قال أصبغ: هي جيدة، وذلك إن التهمة بالتوليج تسقط في العاق ويصير كالأجنبي، وإن التهمة واقعة في الآخر بأن يكون أوصى له بما ليس عليه، فتكون وصية لوارث، وذلك بمنزلة الزوجة يقر لها بدين فإن كان بها صبا معروفا ذلك منه، أو كان يورث كلالة لم يجز وكانت تهمة، وإن كان له ولد وكان بها غير صب وليس الذي بينهما بالحسن لم يتهم وجاز لها؛ لأنه أقر بدين وليس بوصية، وسواء كان الولد منها أو من غيرها إذا لم يتهم فيها بصبابة وميل.
قال محمد بن رشد: قوله: إن وصيته للعاق من ولده بدين له عليه جائزة، مثل إحدى الروايتين في كتاب المديان من المدونة.
وتحصيل القول في هذه المسألة: إذا كان ولده كلهم مستوين في البر به أو العقوق له، فلا اختلاف في أنه لا يجوز إقراره بالدين في مرضه الذي مات منه لبعضهم دون بعض، وأما إذا كان بعضهم بارا وبعضهم عاقا له، فاختلف في إقراره للعاق على قولين: أحدهما: أنه جائز، وهو قوله في هذه الرواية، وفي إحدى الروايتين من كتاب المديان من المدونة، والثاني: أنه لا يجوز، وهو قوله في الرواية الثانية من المدونة، والوصية بالدين في الصحة أو المرض كالإقرار له بالدين في مرضه الذي توفي منه سواء. وكذلك القول في الإخوة والأخوات وسائر العصبة والقرابات.
وأما إقرار أحد الزوجين بدين في مرضه الذي مات منه، أو وصيته له به في صحته أو في مرضه الذي مات منه، ففيه تفصيل قد مضى تحصيله في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وشهادة الأب لأحد بينه على بعض من هذا المعنى، إلا أن تهمته في الشهادة لبعضهم على بعض أخف من تهمته في إقراره لبعضهم دون بعض بدين في مرضه الذي توفي منه أو وصيته له به، ففي الموضع الذي يتفق على أنه لا يجوز إقراره له، وهو إذا كانوا مستويين في البر به أو العقوق له، يختلف في جواز شهادته له، وفي الموضع الذي يختلف في جواز إقراره له وهو إذا كان بعضهم بارا به، وبعضهم عاقا فأقر للعاق منهم يتفق على جواز شهادته له، إلا أن يكون المشهود له في حجره صغيرا، أو كبيرا سفيها، والمشهود عليه كبيرا، فلا تجوز شهادته له باتفاق؛ لأنه يتهم لحيازته المال.
وأما شهادته لبعض ولده على أجنبي، فلا تجوز بحال، وإن كان المشهود له عاقا، وأما شهادته عليه لأجنبي فتجوز، إلا أن يكون عاقا له ومعاديا، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول في مرضه لفلان علي ثلاثون دينارا وثلاثون من بقية حساب بيننا:

وسئل: عن الرجل يقر في مرضه فيقول لفلان علي ثلاثون دينارا، وثلاثون من بقية حساب بيني وبينه، ولم يسم في الأولى شيئا، قال: أرى له عليه ستين دينارا إذا قال: له عليَّ ثلاثون دينارا، وثلاثون دينارا من بقية حساب بيني وبينه، فله ستون يأخذها، سمعته يقولها، وهو رأيي.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه ولا احتمال؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه، إنما يعطف على غيره، وبالله التوفيق.